نشرت هذه القصيدة في العدد الرابع والستين من مجلة الإمارات الثقافية التي يصدرها مركز سلطان بن زايد.
من قصيدة: هذا هو الزمان
هذا هو الزمانْ:
يأتي إلينا مسرعًا،
من أبَدِ الغيبِ،
ويغيب مسرعًا،
في أزل النسيانْ.
كلّما حاولت أن أُمسكه،
يمضي كأنّه ما كانْ.
وإذا كلّمته، قال لي:
هل أنت تعرفني؟
ربما تقصد أخي،
الذي كان هنا!
لقد مضى،
أمّا أنا،
فقد وُلدتُ الآنْ.
وهكذا نحن، بنو الدهر: نأتي لحظةً لحظةً،
لا توجد منّا لحظتانْ.
هذا هو الزمانْ:
يأتي بكلِّ الحادثات،
بالفرْح والأحزانْ.
مثل قطارٍ سريعٍ،
تمرُّ بنا عرباته،
مغلقةً،
فنفتحها،
فنفرح حيناً بما فيها،
ونحزن... في أغلب الأحيانْ.
لكننا ننتظر العرباتِ القادمة،
ونحلم بما فيها،
فنعيش معها،
في الزمن المستقبل،
مع أننا نعرف أنه،
لا بد أن تأتي العربة الأخيرة،
التي تحملنا، إلى الماضي،
لعالَمٍ آخر،
ليس في الحُسبانْ.
هذا هو الزمانْ:
كلّما دخل علينا يوم من الدهر،
يفتحُ سِجلاته،
وينشرها، في زوايا المكانْ.
فيكتب ما يشاء ويمحو،
ويرسم وجوهاً جديدة،
بالأبيض والأسود، وبالألوانْ.
ثم يطويها ويمضي،
ليأتي يومٌ آخر،
فيفتحَ سجلاته، وينشرها في زوايا المكانْ.
كلُّ يوم كان غداً، وقبلَ غدٍ، وقبلَهُ،
وسوف يصير أمساً، وأوّل أمسٍ، وكانَ يا ما كانْ، في غابر الأزمانْ.
وتسير بنا الأيام، مسرعة،
فنسكن في لياليها،
ونهارُها كالنهر، يحملنا،
من وادٍ إلى وادٍ،
من ضفّة أمانٍ، إلى ضفّة خوفٍ،
ومن ضفّة خوفٍ، إلى ضفّة أمانْ.
فمرة يكون ماؤها صافٍ، ومرة مكدّراً،
لكنّه يمضي بنا،
فلا أحد يغتسل في مائِه مرَّتين،
ولا في نفس الماء يغتسل اثنانْ.
هذا هو الزمانْ:
يمرُّ دون توقُّفٍ،
ويدخلُ، ويخرجُ، من غير استئذانْ.
محمد حاج يوسف
كتبت هذه القصيدة في مدينة العين بتاريخ 22/7/2004