إن شاء الله تعالى سوف يتم إلقاء هذا البحث في المؤتمر الدولي الثامن للغة العربية الذي سينعقد في دبي في شهر نيسان سنة 2019، وبعدها ستم نشره كاملا على هذا الموقع.
استناداً إلى النتائج التي تم استخلاصها في أبحاث سابقة بخصوص الدور الأساسي للزمان في تشكيل الأبعاد الفراغية بما تحويه من جسيمات المادة والطاقة، وذلك بناءً على نموذج الجوهر الفرد ونظرية الخلق في ستة أيام، فقد وجدنا أنَّ نظام تشكيل الحروف في اللغة العربية تحديداً، وفي باقي اللغات عموماً، يتشابه إلى حدٍّ بعيد مع نظام الجسيمات الأوّلية المكوِّنة للذرّات والجزيئات التي بُني عليها الكون بأسره؛ وذلك لأنّ الكون المحيط ما هو إلا كلمات الحقِّ التي لا تنفد، والإنسان عندما يتكلَّم، أو يكتب، يُنشئ المعاني في خيال المستمع كما يخلق الله تعالى الأشياء في الوجود.
نبيِّن في هذا البحث أن هذا التناظر بين الحروف والجسيمات يسري بدقة كبيرة على مستويات مختلفة؛ فكلاهما يضم ثمانية وعشرون عنصراً أساسياً يمكن تنظيمها بحسب خواصها المختلفة إلى مجموعات تضم ثنائيات وثلاثيات ورباعيات، ومجموعات أخرى متناظرة بحسب مخارجها وأوزانها وصفاتها الكهربائية والنووية. وتوضح الدراسة المتعمقة أن سبب هذا التناظر المدهش هو أنَّ كلا النظامين، اللغوي والذرِّي، ينبثق عن الأبعاد الداخلية للزمان، وهي الأيام الستة الكونية التي تشكِّل الأبعاد الثلاثة المكانية، إضافة إلى البعد الزماني الخارجي، فيكون مجموعها سبعة أبعاد زمانية هي نفسها أيام الأسبوع التي تتضاعف أربع مرات، بحسب مراتب الطبيعة، لتشكل الشهر القمري، الذي ينتقل فيه القمر بين المنازل الثمانية والعشرين الرئيسية. من أجل ذلك نجد في الكثير من المخطوطات القديمة، سواء في اللغة العربية أو في غيرها من اللغات الأصيلة، طرقاً مختلفة للربط بين الحروف ومنازل القمر والأفلاك الأخرى، غير أن أكثرها يأخذ الطابع الغيبي، كالسحر والتنجيم والشعوذة، من غير فهم العلاقات الدقيقة بين هذه المكونات المختلفة.
إضافة إلى ما سبق، هناك دلائل كثيرة تؤكد أن هذا التناظر الدقيق بين اللغة العربية ولغة الكون يتشعب كذلك إلى الكثير من التراكيب الأساسية التي تشكل هيكل اللغة، مثل علامات الإعراب والأسماء والحروف النحوية وطريقة تركيب الجمل المختلفة. لكن هذا الموضوع بحاجة إلى دراسة متعمقة، وسنكتفي في هذا البحث بالإشارة إلى بعض هذه البنيات الرئيسية التي يمكن أن تشكل نواة لأبحاث أخرى في المستقبل. بناءً على هذه النتائج، يؤكد هذا البحث على المكانة الرفيعة التي تحتلها اللغة العربية بين باقي اللغات التي لا تتشابه مع هذا النظام الكوني إلا بمقدار تشابهها مع اللغة العربية، وهو الأمر الذي يُرجِّح كونها أصل جميع اللغات، وأنها لغة توقيفيّة مُلهَمة تتوافق مع الاستعداد الفطري عند البشر.
يتألف هذا البحث من ثلاثة فصول: أولها يقوم بتعريف مختصر للنظام الذري للكون وتصنيف الجسيمات الأولية وفق النموذج القياسي المعتمد في نظريات الفيزياء الحديثة، ثم يأتي الفصل الثاني لتقديم بعض التفاصيل عن أصل اللغة العربية وأنظمة ترتيب حروفها، وبخاصة النظام الأبجدي الفينيقي. بعد ذلك نقوم في الفصل الأخير بشرح نظرية الجوهر الفرد التي تؤدي إلى بنية فراغية هندسية جديدة للكون وأبعاد الزمان الداخلية، وذلك وفق رؤية الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي للخلق في ستة أيام، والتي تم تفصيلها في منشورات أخرى نشير إليها، في حين سوف نركز في هذا البحث على تطبيق هذه النظرية على شرح هذا الترابط العضوي بين حروف الكون وحروف اللغة العربية.